أنا آسف على طول الموضوع بس بجد الموضوع شيق جدا دأنا قرأته.
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
للعولمة ظاهر خبيث وباطن أخبث، فظاهرها تعميم المنهج الغربي على كل الأمم بما في ذلك المسلمون بطبيعة الحال، وأما باطنها فهو تحكم الرجل الغربي في مقاليد الأمور في كل البلاد عن طريق مؤسسات دولية تدور في فلك الدول العظمى، وتحقق مصالحها مع مراعاة مصالح هذه الدول، كل دولة حسب وزنها النسبي.
ومن قبيل "ذر رماد في الأعين" غالباً ما تُسند رئاسة هذه المنظمات إلى شخصيات ليست من هذه الدول، وهذا الباطن ليس الأشد خبثاً ليس بباطن في الحقيقة، بل هو في حكم المعلن مما دفع كثيراً ممن يتبنى المنهج الغربي إلى أن يدعو إلى "العالمية" بديلاً عن "العولمة".
بينما تمضي الدول قدماً في الانتقال من "العالمية" التي تعني عندهم الدعوة إلى منهجهم تحت ستار أنه خلاصة الفكر الإنساني إلى "العولمة" التي تعني فرض هذا المنهج من خلال المنظمات الدولية، مما يعني تحول حكومات باقي الدول إلى ما يشبه المجالس المحلية في النظام السياسي الداخلي، حيث تتولى هذه المنظمات فرض النظم السياسية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها، ومن هذه المنظمات الأمم المتحدة على الصعيد السياسي، والاجتماعي، وصندوق النقد الدولي على الصعيد الاقتصادي.
ومع ذلك يبقى أكثر المجالات التي قطعت فيها "العولمة" شوطاً كبيراً هو مجال الرياضة لاسيما كرة القدم، وربما كان هذا السبق في هذا المجال راجعاً إلى سهولة تطبيقه في خضم الحماسات الرياضية ومنافساتها المشتعلة، كما أن القوى العظمى في عالم كرة القدم ليست من بينها أمريكا وروسيا، وإن كانت تشمل عدداً كبيراً من الدول الأوروبية في مجال المال والاحتراف، وبعض دول العالم الثالث في مجال المهارة، مما يعني سهولة تمرير هذا النموذج بدون "حساسية" مسبقة.
وبالفعل نجح هذا النموذج بدرجة عالية جداً، وصار "الفيفا" حاكماً بأمره على الاتحادات القارية، وعلى الاتحادات الأهلية في كل بلد، وأصبح "الفيفا" يهدد بتجميد، بل بشطب عضوية من يخرج على لوائحه، وكان على رأس هذه اللوائح منع الحكومات من التدخل في عمل اتحاداتها الأهلية، وكالعادة انحاز "الفيفا" إلى الثقافة الغربية والفكر الغربي، وفرضها على المسلمين.
وكان من أبرز مواقفه إجبار الدول الأعضاء على إدخال كرة القدم النسائية، وهي رياضة ما زالت في حس الرجل الشرقي تمثل رياضة لا تليق بالنساء، وينفر الناس من أن تمارسها بناتها حتى أكثر من نفورهم من ألعاب أخرى تفرض "اتحاداتها الدولية" على اللاعبات فيها قدراً أكبر من التكشف كالسباحة، نظراً لما في كرة القدم من التحام وحركة يستحيل معها أن يبقى لصاحبتها أدنى قدر من الحياء، وغني عن الذكر مخالفة هذه وتلك لآداب المرأة المسلمة.
ومن هذا المنطلق قام "الفيفا" بدوره في فصل الدين عن الحياة، فرسخ فصل الرياضة عن الدين، بل والسياسة لتصبح القاعدة: "لا دين في السياسة ولا في الرياضة، ولا سياسة في الرياضة"، وإن كانت هذه القواعد كسائر قواعد "العولمة" يكال فيها بمكيال للعالم الأول وثانٍ للثاني وثالث للثالث.
ولذلك ألقى"الفيفا" بثقله في قضايا سياسية كمسألة إزالة الخلاف بين اليابان وكوريا، وكذلك إزالة الخلاف بين الكوريتين.
ويبدو أن "الفيفا" قد خشي إن لم يوظف إمكاناته في خدمة السياسة الأمريكية أن تعلن عليه الحرب، وحينئذ لن تضطر إلى ادعاء وجود أسلحة دمار شامل، ولكن يمكن أن تكتفي فقط بفتح الملف المالي "للفيفا" بصفتها شرطي العالم، وحامي حمى جميع ثرواته، ووفاء من "الفيفا" للعولمة فقد جبن عن إعلان "لا دعارة في الرياضة" كما أعلن "لا دين في الرياضة"، وقرر عدم التصدي للدعارة المنظمة في كأس العالم بدعوى أنها مهنة موجودة منذ القدم، ومازالت دولٌ تعترف بها.
وفي هذه الكأس لم يقتصر الأمر على الدعارة بل تخطاه إلى فتح الباب على مصراعيه للسياسة الأمريكية والإسرائيلية طبعاً، فأما الأولى فمارست ضغطاً إعلامياً هائلاً على إيران ولاعبيها ووفدها الرسمي، بل دارت مناقشات حول منعها من المشاركة، وحول الموقف الذي ستتخذه اللجنة المنظمة للبطولة إذا ما قرر الرئيس الإيراني زيارة فريقه.
وأما على الجانب الإسرائيلي فقد قام لاعب منتخب غانا وهو محترف في الدوري الإسرائيلي بحمل علم إسرائيل في إحدى مباريات فريقه، وهي بمعايير القوم تمثل جريمة كبرى في بلده، قد تستوجب الإعدام أو إسقاط الجنسية على أحسن تقدير، وجريمة في حق لوائح "الفيفا" التي تصر على الفصل التام بين "الدين" و"السياسة" و"الرياضة"، ولكن الواقعة مرت على قلوب "الفيفا" أحلى من الشهد أو "الكنتالوب الإسرائيلي"، وانتهت القصة دون أن يتوقف عندها أحد.
ولكن لما قام أحد لاعبي منتخب مصر الذي يلعب الآن في كأس الأمم الإفريقية بكتابة عبارة "تضامناً مع غزة" على قميصه، قام الحكم بإنذاره على الفور، واجتمع الاتحاد الإفريقي ليقرر عليه عقوبة إضافية فوق الإنذار، إلا أنهم اكتفوا بتوجيه تحذير شفهي للاعب الذي اعتذر بتأثره بالوضع الإنساني لأهل غزة، بينما حرص الجهاز الفني والإداري للمنتخب المصري على التأكيد على أن هذا الأمر كان بتصرف فردي من اللاعب، وأنه لن يعود إليه أبداً.
وكانت صحف إسرائيلية قد قامت بحملة إعلامية ضخمة لدفع الاتحاد الإفريقي لمعاقبة اللاعب وإيقافه النهائي عن البطولة، وكل هذا بدعوى مخالفة قاعدة "لا دين ولا سياسة في الرياضة".
ولنا مع هذا الموقف عدة وقفات:
الأولى: لاشك لدى أي متأمل في حياة الأمم أن الرياضة بصورتها الحالية تعد إحدى صور الإلهاء والتخدير، وهي إن كانت تمثل بالنسبة للغرب المنتصر قدراً من ثقافة اليهود التي هي ثقافته عبر التاريخ -لاسيما وقد ملك ثروات العالم- فإنها تمثل لغيرهم -لاسيما المسلمين- إلهاءً فضلاً عن كونه لهواً.
بل لن يكون المرء مبالغاً في ظنه إذا ظن أن إسرائيل اختارت توقيت تصعيد الحصار على غزة في وقت كأس الأمم الإفريقية، حيث يكون الشعب المصري مشغولاً عن كل شيء إلا الكرة، وهذا الشر من شرور "المسابقات الكروية" -مع مسألة تمرير "العولمة"- من أكثر شرور هذه المسابقات، وإن كانت لها شرور أخرى من تضييع الواجبات، وكشف العورات، والتحزب الممقوت.
الثانية: أن التكسب من اللهو واتخاذه مهنة حرام بالإجماع، وأن المسابقة عليه لا تجوز ولو كانت الجوائز ليست من المتسابقين، ويزداد الأمر خطورة إذا ما كانت من المال العام.
الثالثة: أن الصحوة الإسلامية أصبح لها صدى في جميع فئات المجتمع -بحمد الله- ومنها لاعبي الكرة الذين أصبح منهم من يحافظ على شعائر الإسلام ويهتم بقضاياه، ولاشك أن اشتغال هذا اللاعب عن المنافسات الحامية في البطولة بالبحث في مجاهل إفريقيا عن مطبعة تطبع له هذه العبارة على قميصه، ليدل على درجة تعاطف وشعور بالمسؤولية.
ولكن هذا لا يعني أن نكتمهم النصيحة في بيان حكم ما هم فيه من احتراف اللعب واللهو، بل ربما كان هؤلاء أولى بالنصيحة من غيرهم، ولا يعني أن تظن الأمة أنها ستعوض بساحات الكرة ما ضيعته في ساحات العمل الجاد.
الرابعة: لا يخفى على أي متأملٍ الفرقُ بين الرياضة العابرة التي يتريض بها الناس لاسيما الشباب، لكي تكون عوناً لهم على أعمالهم الجادة، وبين التفرغ للمسابقات المنهي عنها.
الخامسة: من الأمور التي تثير الدهشة والغرابة سرعة بديهة حكم المباراة وإدراكه أن اللاعب قد كشف عن عبارة على قميصه الداخلي تدعو إلى التضامن مع غزة، ويبدو أن كل حوائط الدنيا لها آذان وأعين "صهيوأمريكية" حتى في غانا.
السادسة: التصعيد السريع جداً من الاتحاد الإفريقي واتجاهه إلى تغليظ العقوبة هو أول ما يشكك في مصداقية قاعدة "لا دين ولا سياسة في الرياضة".
فلولا أن الأمر يتعلق بالسياسة الإسرائيلية ما كانت هذه السرعة في التحرك، مع أنه على قاعدتهم كان الأقرب تصنيف العبارة على أنها موقف إنساني لا سياسي، ولكن المشكلة أن هذه الأزمة الإنسانية ناجمة عن سياسة إسرائيلية لا إنسانية.
السابعة: الصحف الإسرائيلية التي انزعجت جداً من هذا الموقف من لاعب في دورة رياضية أظهر شعاراً ثم استكمل اللعب، ألهذا الحد أنتم جبناء؟ فماذا يمكن أن يكون الحال لو أن كل مسلم طبعها على قلبه، أظن أنه لو حدث فسوف يرحل اليهود عن فلسطين بأسرها بدون مقاومة.
الثامنة: لفت نظري استطلاع رأي في موقع "مصراوي" -وهو موقع يدخله عدد كبير من الشباب المصري- حول هذه الواقعة وكانت الإجابة اختياراً من متعدد، وكانت النسبة كالآتي:
6% اختاروا أن هذا كاد يعرض المنتخب المصري لفقد جهوده. وأظن أن نسبة 6% التي اختارت هذه الإجابة تعد نسبة منطقية، ولذلك سوف نهتم بالـ 94% الذين يمثلون أبناء الأمة، وجاءت اختياراتهم على النحو الآتي:
- 82% اختاروا أنه عبر عن مشاعر ملايين المسلمين.
- 10% اختاروا أنه خلط بين الرياضة والسياسة.
- 2% اختاروا لا أهتم.
- ونسبة 10% هذه قد تزعج العلمانيين جداً لضآلتها، ولكنها أيضاً يجب أن تزعجنا نحن معاشر الإسلاميين، ولكن لعل الكلام لو كان عن فصل الدين عن السياسة لا عن الرياضة لكانت هذه النسبة أقل.
وأما نسبة 2% الذين لم يعجبهم شيء مما ذكر فاختاروا لا أهتم، فوجود هؤلاء ولو بنسبة 2% كارثة تحتاج إلى عمل مضنٍ وشاق من جميع المهتمين بأمر الشباب.
وأما نسبة 82% الذين انفعلوا لمأساة إخوانهم في غزة، ورحبوا بفعل اللاعب رغم ما فيه من مخاطرة بالبطولة فإننا في انتظارهم في ميدان البطولة الحقيقية، في ميدان العمل الدؤوب من أجل نصرة الإسلام.
- نريد منهم أن يتركوا مقاعد المتفرجين على العمل الإسلامي ليكونوا من المشاركين فيه.
- ونريد منهم أن يتركوا مقاعد المتفرجين على مباريات الكرة ليكونوا هم اللاعبين، ولكن في أوقات فراغهم من واجباتهم الدينية والدنيوية، ودون إهدار لأوقاتهم ولثروات أمتهم.
ترى لو وجهنا هذا النداء إلى هؤلاء الـ82% من الشباب، فكم ستكون نسبة المصوتين بالإجابة؟
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
للعولمة ظاهر خبيث وباطن أخبث، فظاهرها تعميم المنهج الغربي على كل الأمم بما في ذلك المسلمون بطبيعة الحال، وأما باطنها فهو تحكم الرجل الغربي في مقاليد الأمور في كل البلاد عن طريق مؤسسات دولية تدور في فلك الدول العظمى، وتحقق مصالحها مع مراعاة مصالح هذه الدول، كل دولة حسب وزنها النسبي.
ومن قبيل "ذر رماد في الأعين" غالباً ما تُسند رئاسة هذه المنظمات إلى شخصيات ليست من هذه الدول، وهذا الباطن ليس الأشد خبثاً ليس بباطن في الحقيقة، بل هو في حكم المعلن مما دفع كثيراً ممن يتبنى المنهج الغربي إلى أن يدعو إلى "العالمية" بديلاً عن "العولمة".
بينما تمضي الدول قدماً في الانتقال من "العالمية" التي تعني عندهم الدعوة إلى منهجهم تحت ستار أنه خلاصة الفكر الإنساني إلى "العولمة" التي تعني فرض هذا المنهج من خلال المنظمات الدولية، مما يعني تحول حكومات باقي الدول إلى ما يشبه المجالس المحلية في النظام السياسي الداخلي، حيث تتولى هذه المنظمات فرض النظم السياسية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها، ومن هذه المنظمات الأمم المتحدة على الصعيد السياسي، والاجتماعي، وصندوق النقد الدولي على الصعيد الاقتصادي.
ومع ذلك يبقى أكثر المجالات التي قطعت فيها "العولمة" شوطاً كبيراً هو مجال الرياضة لاسيما كرة القدم، وربما كان هذا السبق في هذا المجال راجعاً إلى سهولة تطبيقه في خضم الحماسات الرياضية ومنافساتها المشتعلة، كما أن القوى العظمى في عالم كرة القدم ليست من بينها أمريكا وروسيا، وإن كانت تشمل عدداً كبيراً من الدول الأوروبية في مجال المال والاحتراف، وبعض دول العالم الثالث في مجال المهارة، مما يعني سهولة تمرير هذا النموذج بدون "حساسية" مسبقة.
وبالفعل نجح هذا النموذج بدرجة عالية جداً، وصار "الفيفا" حاكماً بأمره على الاتحادات القارية، وعلى الاتحادات الأهلية في كل بلد، وأصبح "الفيفا" يهدد بتجميد، بل بشطب عضوية من يخرج على لوائحه، وكان على رأس هذه اللوائح منع الحكومات من التدخل في عمل اتحاداتها الأهلية، وكالعادة انحاز "الفيفا" إلى الثقافة الغربية والفكر الغربي، وفرضها على المسلمين.
وكان من أبرز مواقفه إجبار الدول الأعضاء على إدخال كرة القدم النسائية، وهي رياضة ما زالت في حس الرجل الشرقي تمثل رياضة لا تليق بالنساء، وينفر الناس من أن تمارسها بناتها حتى أكثر من نفورهم من ألعاب أخرى تفرض "اتحاداتها الدولية" على اللاعبات فيها قدراً أكبر من التكشف كالسباحة، نظراً لما في كرة القدم من التحام وحركة يستحيل معها أن يبقى لصاحبتها أدنى قدر من الحياء، وغني عن الذكر مخالفة هذه وتلك لآداب المرأة المسلمة.
ومن هذا المنطلق قام "الفيفا" بدوره في فصل الدين عن الحياة، فرسخ فصل الرياضة عن الدين، بل والسياسة لتصبح القاعدة: "لا دين في السياسة ولا في الرياضة، ولا سياسة في الرياضة"، وإن كانت هذه القواعد كسائر قواعد "العولمة" يكال فيها بمكيال للعالم الأول وثانٍ للثاني وثالث للثالث.
ولذلك ألقى"الفيفا" بثقله في قضايا سياسية كمسألة إزالة الخلاف بين اليابان وكوريا، وكذلك إزالة الخلاف بين الكوريتين.
ويبدو أن "الفيفا" قد خشي إن لم يوظف إمكاناته في خدمة السياسة الأمريكية أن تعلن عليه الحرب، وحينئذ لن تضطر إلى ادعاء وجود أسلحة دمار شامل، ولكن يمكن أن تكتفي فقط بفتح الملف المالي "للفيفا" بصفتها شرطي العالم، وحامي حمى جميع ثرواته، ووفاء من "الفيفا" للعولمة فقد جبن عن إعلان "لا دعارة في الرياضة" كما أعلن "لا دين في الرياضة"، وقرر عدم التصدي للدعارة المنظمة في كأس العالم بدعوى أنها مهنة موجودة منذ القدم، ومازالت دولٌ تعترف بها.
وفي هذه الكأس لم يقتصر الأمر على الدعارة بل تخطاه إلى فتح الباب على مصراعيه للسياسة الأمريكية والإسرائيلية طبعاً، فأما الأولى فمارست ضغطاً إعلامياً هائلاً على إيران ولاعبيها ووفدها الرسمي، بل دارت مناقشات حول منعها من المشاركة، وحول الموقف الذي ستتخذه اللجنة المنظمة للبطولة إذا ما قرر الرئيس الإيراني زيارة فريقه.
وأما على الجانب الإسرائيلي فقد قام لاعب منتخب غانا وهو محترف في الدوري الإسرائيلي بحمل علم إسرائيل في إحدى مباريات فريقه، وهي بمعايير القوم تمثل جريمة كبرى في بلده، قد تستوجب الإعدام أو إسقاط الجنسية على أحسن تقدير، وجريمة في حق لوائح "الفيفا" التي تصر على الفصل التام بين "الدين" و"السياسة" و"الرياضة"، ولكن الواقعة مرت على قلوب "الفيفا" أحلى من الشهد أو "الكنتالوب الإسرائيلي"، وانتهت القصة دون أن يتوقف عندها أحد.
ولكن لما قام أحد لاعبي منتخب مصر الذي يلعب الآن في كأس الأمم الإفريقية بكتابة عبارة "تضامناً مع غزة" على قميصه، قام الحكم بإنذاره على الفور، واجتمع الاتحاد الإفريقي ليقرر عليه عقوبة إضافية فوق الإنذار، إلا أنهم اكتفوا بتوجيه تحذير شفهي للاعب الذي اعتذر بتأثره بالوضع الإنساني لأهل غزة، بينما حرص الجهاز الفني والإداري للمنتخب المصري على التأكيد على أن هذا الأمر كان بتصرف فردي من اللاعب، وأنه لن يعود إليه أبداً.
وكانت صحف إسرائيلية قد قامت بحملة إعلامية ضخمة لدفع الاتحاد الإفريقي لمعاقبة اللاعب وإيقافه النهائي عن البطولة، وكل هذا بدعوى مخالفة قاعدة "لا دين ولا سياسة في الرياضة".
ولنا مع هذا الموقف عدة وقفات:
الأولى: لاشك لدى أي متأمل في حياة الأمم أن الرياضة بصورتها الحالية تعد إحدى صور الإلهاء والتخدير، وهي إن كانت تمثل بالنسبة للغرب المنتصر قدراً من ثقافة اليهود التي هي ثقافته عبر التاريخ -لاسيما وقد ملك ثروات العالم- فإنها تمثل لغيرهم -لاسيما المسلمين- إلهاءً فضلاً عن كونه لهواً.
بل لن يكون المرء مبالغاً في ظنه إذا ظن أن إسرائيل اختارت توقيت تصعيد الحصار على غزة في وقت كأس الأمم الإفريقية، حيث يكون الشعب المصري مشغولاً عن كل شيء إلا الكرة، وهذا الشر من شرور "المسابقات الكروية" -مع مسألة تمرير "العولمة"- من أكثر شرور هذه المسابقات، وإن كانت لها شرور أخرى من تضييع الواجبات، وكشف العورات، والتحزب الممقوت.
الثانية: أن التكسب من اللهو واتخاذه مهنة حرام بالإجماع، وأن المسابقة عليه لا تجوز ولو كانت الجوائز ليست من المتسابقين، ويزداد الأمر خطورة إذا ما كانت من المال العام.
الثالثة: أن الصحوة الإسلامية أصبح لها صدى في جميع فئات المجتمع -بحمد الله- ومنها لاعبي الكرة الذين أصبح منهم من يحافظ على شعائر الإسلام ويهتم بقضاياه، ولاشك أن اشتغال هذا اللاعب عن المنافسات الحامية في البطولة بالبحث في مجاهل إفريقيا عن مطبعة تطبع له هذه العبارة على قميصه، ليدل على درجة تعاطف وشعور بالمسؤولية.
ولكن هذا لا يعني أن نكتمهم النصيحة في بيان حكم ما هم فيه من احتراف اللعب واللهو، بل ربما كان هؤلاء أولى بالنصيحة من غيرهم، ولا يعني أن تظن الأمة أنها ستعوض بساحات الكرة ما ضيعته في ساحات العمل الجاد.
الرابعة: لا يخفى على أي متأملٍ الفرقُ بين الرياضة العابرة التي يتريض بها الناس لاسيما الشباب، لكي تكون عوناً لهم على أعمالهم الجادة، وبين التفرغ للمسابقات المنهي عنها.
الخامسة: من الأمور التي تثير الدهشة والغرابة سرعة بديهة حكم المباراة وإدراكه أن اللاعب قد كشف عن عبارة على قميصه الداخلي تدعو إلى التضامن مع غزة، ويبدو أن كل حوائط الدنيا لها آذان وأعين "صهيوأمريكية" حتى في غانا.
السادسة: التصعيد السريع جداً من الاتحاد الإفريقي واتجاهه إلى تغليظ العقوبة هو أول ما يشكك في مصداقية قاعدة "لا دين ولا سياسة في الرياضة".
فلولا أن الأمر يتعلق بالسياسة الإسرائيلية ما كانت هذه السرعة في التحرك، مع أنه على قاعدتهم كان الأقرب تصنيف العبارة على أنها موقف إنساني لا سياسي، ولكن المشكلة أن هذه الأزمة الإنسانية ناجمة عن سياسة إسرائيلية لا إنسانية.
السابعة: الصحف الإسرائيلية التي انزعجت جداً من هذا الموقف من لاعب في دورة رياضية أظهر شعاراً ثم استكمل اللعب، ألهذا الحد أنتم جبناء؟ فماذا يمكن أن يكون الحال لو أن كل مسلم طبعها على قلبه، أظن أنه لو حدث فسوف يرحل اليهود عن فلسطين بأسرها بدون مقاومة.
الثامنة: لفت نظري استطلاع رأي في موقع "مصراوي" -وهو موقع يدخله عدد كبير من الشباب المصري- حول هذه الواقعة وكانت الإجابة اختياراً من متعدد، وكانت النسبة كالآتي:
6% اختاروا أن هذا كاد يعرض المنتخب المصري لفقد جهوده. وأظن أن نسبة 6% التي اختارت هذه الإجابة تعد نسبة منطقية، ولذلك سوف نهتم بالـ 94% الذين يمثلون أبناء الأمة، وجاءت اختياراتهم على النحو الآتي:
- 82% اختاروا أنه عبر عن مشاعر ملايين المسلمين.
- 10% اختاروا أنه خلط بين الرياضة والسياسة.
- 2% اختاروا لا أهتم.
- ونسبة 10% هذه قد تزعج العلمانيين جداً لضآلتها، ولكنها أيضاً يجب أن تزعجنا نحن معاشر الإسلاميين، ولكن لعل الكلام لو كان عن فصل الدين عن السياسة لا عن الرياضة لكانت هذه النسبة أقل.
وأما نسبة 2% الذين لم يعجبهم شيء مما ذكر فاختاروا لا أهتم، فوجود هؤلاء ولو بنسبة 2% كارثة تحتاج إلى عمل مضنٍ وشاق من جميع المهتمين بأمر الشباب.
وأما نسبة 82% الذين انفعلوا لمأساة إخوانهم في غزة، ورحبوا بفعل اللاعب رغم ما فيه من مخاطرة بالبطولة فإننا في انتظارهم في ميدان البطولة الحقيقية، في ميدان العمل الدؤوب من أجل نصرة الإسلام.
- نريد منهم أن يتركوا مقاعد المتفرجين على العمل الإسلامي ليكونوا من المشاركين فيه.
- ونريد منهم أن يتركوا مقاعد المتفرجين على مباريات الكرة ليكونوا هم اللاعبين، ولكن في أوقات فراغهم من واجباتهم الدينية والدنيوية، ودون إهدار لأوقاتهم ولثروات أمتهم.
ترى لو وجهنا هذا النداء إلى هؤلاء الـ82% من الشباب، فكم ستكون نسبة المصوتين بالإجابة؟